آداب حملة القرآن الكريم

المقدمة

الحمد لله القـــــــائــــل: (ٱلرَّحْمَـٰنُ (1) عَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ(2) خَلَقَ ٱلْإِنسَـٰنَ (3) عَلَّمَهُ ٱلْبَيَانَ ) ثم الصـلاة والسـلام علـى نبينـا محمـد وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن . أمـا بعـد : لحملـة القـرآن الكريـم منزلة رفيعـة وفضيلة جليلـة ، حيث اختصهـم الرحمن بفضائل  عـدة وأجـور عظيمـة فهـم أهـل الله وخاصتـه ، ونظـرا لهـذه الخصيصـة فقـد أفـرد العلمـاء آدابـاً لحملـة القـرآن الكريـم، ذلـك أن القـرآن كلام الله العظيـم ، ويسـتحق مـن الإجلال والتعظيـم والتوقيـر مـا أولاه الله بـه مـن عظمـة ورفعـة، وجمعيـة مكنـون تسـعى فـي غـرس آداب حملـة القـرآن الكريـم فـي منسـوبيها مـن خـال عــدة مبــادرات وأســاليب ووســائل، ويأتــي هــذا الإصدار (آداب حملــة القــرآن الكريــم) ضمــن مبــادرة تعظيــم الصــادرة مــن إدارة التدريب والــذي يهــدف إلــى بيــان آداب حملــة القــرآن الكريــم مــع كتــاب الله عزوجــل .

سائلين الله التوفيق في خدمة كتابه العزيز.

المحاور الرئيسية:

  1. أهمية تعلم آداب حملة القرآن الكريم
  2. آداب حملة القرآن الكريم مع الله
  3. آداب حملة القرآن الكريم مع معلم القرآن
  4. آداب حملة القرآن الكريم مع الناس والأقران
  5. آداب حملة القرآن الكريم مع المسجد.
  6. آداب حملة القرآن الكريم مع النفس .

تعريف الأدب:

لغة: يقــول ابــن منظــور : الأدب الــذي يتــأدب بــه الأديب مــن النــاس، ســمي أدبــًا، لأنه يــؤدب النــاس إلــى المحامــد ، وينهاهــم عــن المقابــح .

اصطلاحًا: الأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا.

أهمية تعلم الآداب:

 قـال الآجـري رحمـه الله : ”أدب المـرء عنـوان سـعادته وفلاحه، وقلة أدبه عنـوان شـقاوته وبـواره، فمـا اسـتجلب خيـر الدنيـا والآخـرة بمثـل الأدب ، ولا اسـتجلب حرمانهـا بمثـل قلـة الأدب ، فتأمـل أحـوال كل شـقي ومدبـر كيـف تجـد قلـة الأدب هـي التـي سـاقته إلى الحرمـان )أ.هـ

ولهـذا كانـت وصايـا العلمـاء عظيمـة فـي الاهتمام بالأدب قبـل العلـم ، وكان حرصهـم علـى طلـب الأدب أعظـم مـن حرصهـم علـى طلـب العلـم ، يقــول أبــو بكــر بــن المطوعــي: ”اختلــف إلــى أبــي عبد الله -أحمــد بــن حنبـل – ثنتـي عشـرة سـنة وهـو يقـرأ المسـند علـى أولاده ، فمـا كتبـت عنـه حديثـاً واحـداً ، إنمـا كنـت انظـر الـى هديـه وأخلاقه).

آداب حملة القرآن الكريم:

 قــال النــووي رحمــه الله تعالــى: فــي آداب حملـة القـرآن الكريـم (ومـن آدابه :أن يكـون علـى أكمـل الأحوال وأكـرم الشـمائل، وأن يرفـع نفسـه عـن كل مـا نهــى القــرآن عنــه إجلالًا للقــرآن وأن يكــون مصونــاً عــن دنــيء الاكتساب، شـريف النفـس، مترفعـاً علـى الجبابـرة والجفــاة مــن أهــل الدنيــا، متواضعــاً للصالحيــن وأهــل الخيــر والمســاكين،  وأن يكـون متخشـعاً ذا سـكينة ووقـار، فقـد جـاء عـن عمـر بـن الخطـاب رضـي الله عنــه أنــه قــال: ( يــا معشــر القــراء, ارفعــوا رؤوســكم، فقــد وضــح لكــم الطريــق، واســتبقوا الخيــرات، ولا تكونــوا عيــالاً علــى النــاس …)

 

أولاً: آداب حملة القرآن الكريم مع الله

-إخلاص النية لله تعالى، وتقوى الله في حفظ القرآن:

قال الله تعالى: (وَمَآ أُمِرُوٓا۟ إِلَّا لِيَعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلْقَيِّمَةِ) سورة البينة، آية(5)

وعــن أبــي هريــرة رضــي الله عنــه قــال، قــال رســول الله صلـى الله عليـه وسـلم: ( مـن تعلّمَ علمًا يبتغـى – يعنـي بـه وجـهَ اللهِ – لا يتعلّمُـه إلا ليُصيبَ بـه عَرَضـاً مـن الدنيـا لـم يجـد عَرْفَ الجنـةِ يـومَ القيامـةِ – يعنـي ريحَهـا) أخرجـه أبـو داود.

-تعظيمه وتوقيره وتعظيم شعائره:

فتعظيم الله وتعظيم شعائره وتعظيم كتابه أمارة على صحة القلب، واستقامته على التقوى، قال الله تعالى: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ)  سورة الحج، آية (32)

-الدعاء:

وحملة القرآن الكريم أولى الناس بالعناية بهذه العبادة العظيمة وذلك بحرصهم على الاستعانة بالله عزوجل وطلب توفيقه في حفظ ومدارسة القرآن الكريم، وذلك لما يجدونه من جهد أثناء حفظ القرآن الكريم.

-أن يسلم لما جاء من الأحكام والتشريعات:

فلا يقدم رأيه على النصوص الشرعية الواردة، وقد قال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلٌۭ وَهَـٰذَا حَرَامٌۭ لِّتَفْتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ) سورة النحل، آية (116)

ثانياً: آداب حملة القرآن الكريم مع معلم القرآن الكريم

-التحري والبحث عن من يأخذ عنه من القراء:

قــال مكــي بــن أبــي طالــب (يجــب علــى طالــب العلــم أن يتخيــر لقراءتــه ونقلــه وضبطــه أهــل الديانــة والصيانـة والفهـم ..)، وأخـرج مسـلم فـي مقدمتـه: (إن هـذا العلـم ديـن فانظـروا عمـن تأخـذون دينكـم( صحيـح مسـلم .

-التواضع للعلماء وتقديرهم وإجلالهم:

قال تعالى: ( يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍۢ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌۭ ) سورة المجادلة، آية (11)

-الجلوس في حضرة الشيخ بوقار وتهيئة نفسه للدرس:

قال الشافعي رحمه الله: ( كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحاً رفيقاً هيبة له لئلا يسمع وقعها ).

-حسن معاملة الشيخ والتلطف في السؤال عما أشكل عليه.

-معرفة فضل الشيخ وشكره على اعتنائه به، والدعاء له في حضوره وفي ظهر الغيب.

ثالثاً: آداب حملة القرآن الكريم مع الناس والأقران

-معاملة الناس والأقران بمكارم الأخلاق:

فقـد قـال الآجـري رحمـه الله: (فينبغـي لـه أن يجعـل القـرآن ربيعـاً لقلبـه، يعمـر بـه مـا خـرب مـن قلبـه، ويتـأدب بـآداب القـرآن ويتخلـق بأخلاق شـريفة يبيـن بهـا عـن سـائر النـاس ممـن لا يقـرأ القـرآن).

-احترام الآخرين وعدم التكبر عليهم بعلمه واحتقارهم:

فقد قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَـٰتِىَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ) سورة الأعراف، آية (146)

-ترك المراء والجدال مع الناس عامة والأقران بشكل خاص:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن تَرَكَ المِرَاءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيت في وسَطِ الجنَّةِ لمن تَرَك الكَذِب وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنَّةِ لمن حسن خُلُقُهُ) حديث صحيح.

-عدم كتمان العلم عن الناس والأقران:

(إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِى ٱلْكِتَـٰبِ ۙ أُو۟لَـٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ ) سورة البقرة، آية (159)

-حسن اختيار رفقاء الطلب ومحبة الخير لهم، وحسن الظن بهم والذب عن أعراضهم.

-التنزه عن الحسد لمن تميز من أقرانه بعلم أو حفظ أو مهارة أو فوز بمسابقة، وأن يترفع عن هذا الخلق البغيض، فإن حفظه لوجه الله تعالى وليس رياء ولا سمعة.

-حسن التعامل مع زملائه في حلقة التعليم وعدم التقدم عليهم في القراءة قبل مجيء نوبته إلا بإذنهم.

-أن يشجع أقرانه على الحفظ ويتعاون معهم في تسميع المحفوظ والمراجعة وتصحيح التلاوة (وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ )

رابعاً: آداب حملة القرآن مع المسجد

-محبة المساجد وتقديرها ومراعاة آداب الدخول للمسجد والخروج منه:

(ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ) سورة الحج، آية (32)

-التزين والتجمل والتطيب عند قصد بيت الله:

(يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُوا۟ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍۢ ) سورة الأعراف، آية (31)

-إكرام المسجد عن الأذى.

-تجنـب الاشتغال بأمـور الدنيـا، وكثـرة الـكلام فيمـا لا يعنيـه، والعبـث بمـا لا ينفعـه كأجهـزة الاتصـال وغيرهـا.

-أن يســتحضر فضــل مجلــس تعلــم القــرآن وأن الله يباهــي بحملــة القــرآن ملائكتــه.

-ألا يرفع صوته بالقراءة بحيث يشوش على غيره.

خامساً: آداب حملة القرآن مع النفس

-تطهير القلب والعناية به لتهيئته لحفظ القرآن.

-القيــام بالفرائــض وتزكيــة النفــس بالنوافــل، فلابــد أن يكـون للقـرآن علـى صاحبـه أثـر فـي عبادتـه فرضـاً ونفلًا، فيحــرص علــى القيــام بالفرائــض ويكــون لــه حــظ مــن النوافـل وأعمـال البـر)،

قـال ابـن مسـعود رضـي الله عنـه: )ينبغـي لحامـل القـرآن أن يعـرف بليلـه إذا النـاس نائمـون، وبنهـاره إذا النـاس مفطـرون، وبورعـه إذا النـاس يخلطـون، وبتواضعـه إذا النـاس يختالـون، وبحزنـه إذا النـاس يفرحـون، وببكائــه إذا النــاس يضحكــون، وبصمتــه إذا النــاس يخوضــون).

-التحلــي بمــكارم الأخــلاق.

يقــول الآجــري رحمــه الله تعالــى: (أهــل القــرآن ينبغــي أن تكــون أخلاقهــم مباينــة لأخـلاق مـن سـواهم ممـن لـم يعلـم كعلمهـم فـإذا نزلـت بهــم الشــدائد لجــؤوا إلــى الله فيهــا، ولــم يلجــؤوا فيهــا إلـى مخلـوق، وكان الله أسـبق إلـى قلوبهـم، وقـد تأدبـوا بــأدب القــرآن والســنة، فهــم أعــلام يقتــدى بفعالهــم، لأنهــم خاصــة الله وأهلــه، أولئــك حــزب الله ألا إن حــزب الله هـم المفلحـون). وقـال الفضيـل بـن عيـاض رحمـه الله: )حامـل القـرآن حامـل رايـة الإسـلام، لا ينبغـي لـه أن يلهـو مـع مـن يلهـو، ولا يسـهو مـع مـن يسـهو، ولا يلغـو مـع مـن يلغــو).

-ملازمة الخشوع والخضوع والبكاء عند تلاوة القرآن.

-الحرص والصبر على التعلم:

ففي صحيح مسلم عن يحيى بن أبي كثير قال: (لا ينال العلم براحة الجسد).

-التدرج في طلب العلم.

-العمل بعلمه

قال تعالى: (وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُوا۟ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُۥٓ ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُ ۖ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمْ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ ) سورة الزمر، آية (17-18)

وعـن ابـن مسـعود رضـي الله عنـه قـال: (والـذي نفسـي بيـده إن حـق تلاوتـه أن يحـل حلاله ويحـرم حرامـه ويقـرأه كمـا أنزلـه الله ولا يحـرف الكلـم عـن مواضعـه، ولا يتـأول منـه شـيئا علـى غيـر تأويلـه).

الخاتمة

عـن ابـن عمـر رضـي الله عنـه قـال : (لقـد عشـنا برهـة مـن دهرنـا وإن أحدنــا ليؤتــى الإيمــان قبــل القــرآن، وتنــزل الســورة علــى محمــد صلــى الله عليــه وســلم، فنتعلــم حلالهــا وحرامهــا، ومــا ينبغــي أن يوقـف عنـده منهـا، ولقـد رأيـت اليـوم رجـالاً يؤتـى أحدهـم القـرآن قبـل الإيمـان فيقـرأ مـا بيـن فاتحتـه إلـى خاتمتـه، مـا يـدري مـا آمـره ولا زاجـره، ولا مـا ينبغـي أن يوقـف عنـده منـه، وينثـره نثـر الدقـل).  نسـأل الله أن يوفقنـا إلـى تـلاوة القـرآن الكريم وحفظـه على الوجه الـذي يرضيـه عنـا وأن يوفقنـا للامتثـال بـآداب حملـة القـرآن الكريـم .

المراجع:

  1. أخلاق أهل القرآن للآجري.
  2. التبيان في آداب حملة القرآن للنووي.
  3. جمال القراء (فصول في آداب أهل القرآن الكريم) أ.د. إبراهيم الحميضي.

 

لتحميل الاصدار نسخة  pdf  (آداب حملة القرآن الكريم)